خطبة الجمعة المذاعة والموزعة
بتاريخ 25من ربيع الآخر 1447هـ الموافق 17 /10 / 2025م
خَطَرُ الرِّبَا عَلَى الْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ
الحَمْدُ لِلَّهِ العَزِيزِ الوَهَّابِ، الَّذِي خَلَقَ الْخَلْقَ لِيَعْبُدُوهُ وَبِالإِلهِيَّةِ يُفْرِدُوهُ، فَهُوَ- جَلَّ وَعَلَا - أَهْلُ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ، الْمُتَفَضِّلُ عَلَى عِبَادِهِ بِنِعَمِهِ الَّتِي لَا تُحْصَى ) وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ([النحل:18]، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، الكَرِيمُ الجَوَادُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ رَبُّهُ بِالْهُدَى وَالرَّشَادِ، وَالدَّعْوَةِ إِلَى سَبِيلِ الْحَقِّ الْمُبِينِ، وَالصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، فَصَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ.
فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ: )وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ( [البقرة:281].
مَعَاشِرَ المُسْلِمِينَ:
مِنَ الْوَاجِبِ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَتَعَلَّمَ أَحْكَامَ الدِّينِ؛ لِيَقُومَ بِحُدُودِ اللَّهِ وَأَوَامِرِهِ أَحَقَّ الْقِيَامِ، وَيَتَّقِيَ الْمُحَرَّمَاتِ وَيَبْتَعِدَ عَنْهَا وَلَا يَقْرَبَهَا، مُمْتَثِلًا أَمْرَ خَالِقِهِ وَنَهْيَهُ، قَالَ تَعَالَى: ) تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا( [البقرة:187] فَحُدُودُ اللَّهِ الَّتِي حَدَّهَا لِعِبَادِه وَنَهَاهُمْ عَنْهَا وَعَنْ قُرْبِهَا: شَامِلٌ النَّهْيَ عَنِ الْمُحَرَّمِ لِذَاتِهِ وَعَنِ الْوَسَائِل الْمُوَصِّلَةِ إلَى الْمُحَرَّمِ.
وَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْمُحَرَّمَاتِ وَأَشَدِّهَا خَطَرًا عَلَى الْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ: التَّعَامُلَ بِالرِّبَا، بَلْ هُوَ مِنَ السَّبْعِ الْمُوبِقَاتِ الَّتِي حَذَّرَنَا مِنْهَا نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: «الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الغَافِلَاتِ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ]، وَالرِّبَا كَبِيرَةٌ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ، فَجُرْمُ الرِّبَا خَطِيرٌ وَعِقَابُهُ أَلِيمٌ، تَوَعَّدَ اللَّهُ مَنْ تَجَرَّأَ عَلَى الرِّبَا بَعْدَ الْبَيَانِ وَالتَّذْكِيرِ وَلَمْ يَنْتَهِ عَنْ أَكْلِ الرِّبَا وَالتَّعَامُلِ بِهِ أَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِلْعُقُوبَةِ، قَالَ جَلَّ وَعَلَا: )فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ([البقرة:275] ، وَذَلِكَ لِشَنَاعَةِ الرِّبَا وَكَبِيرِ إِثْمِهِ.
عِبَادَ اللهِ:
لَمَّا كَانَ التَّعَامُلُ بِالرِّبَا عَائِدًا عَلَى الْكَسْبِ وَأَخْذِ الْأَمْوَالِ بِوَجْهٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ، وَكَانَ مِنْ مَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ حِفْظُ الْأَمْوَالِ وَصَلَاحُ أَحْوَالِ النَّاسِ فِي مَعَاشِهِمْ، شُرِعَتِ الْأَحْكَامُ الَّتِي تُقِيمُ مِيزَانَ الْعَدْلِ بَيْنَ الْخَلْقِ، فَهِيَ أَحْكَامٌ مِنْ مُشَرِّعٍ حَكِيمٍ؛ لِيُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلْمِ وَالْجَوْرِ إلَى الرَّحْمَةِ وَالْعَدْلِ.
وَالرِّبَا -يَا عِبَادَ اللَّهِ- مِنْ شَرِّ أَنْوَاعِ الظُّلْمِ، وَهُوَ مَحَّرَمٌ فِي جَمِيعِ الشَّرَائِعِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ: )فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا * وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا( [النساء:160-161]، وَالرِّبَا حَرَامٌ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ، بَلْ قَدْ حُرِّمَتْ كُلُّ الْوَسَائِل وَالْحِيَلِ الْمُفْضِيَةِ إِلَيْهِ، وَقَدْ فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالرِّبَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ) وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ([البقرة:275]، فَهَذَا نَصٌّ قُرْآنِيٌّ صَرِيحٌ بِالتَّحْرِيمِ الْقَاطِعِ لِلرِّبَا، لَا يَمْلِكُ الْمُسْلِمُ مَعَهُ إلَّا الِامْتِثَالَ وَالِاسْتِسْلَامَ وَعَدَمَ الْمُعَارَضَةِ وَالتَّأْوِيلِ، فَاللَّهُ أَرَادَ تَحْرِيمَ الرِّبَا فِي كُلِّ مَكَانٍ وَزَمَانٍ، وَلِلشَّرِيعَةِ أَسْرَارٌ فِي إغْلَاقِ أَبْوَابِ الشَّرِّ وَالطُّرُقِ الْمُوَصِّلَةِ إلَيْهَا.
أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ:
إِنَّ الرِّبَا مَعْصِيَةٌ كَبِيرَةٌ وَمُخَالَفَةٌ لِأَمْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَقَدْ حَذَّرَنَا اللَّهُ مُخَالَفَةَ أَمْرِهِ فَقَالَ جَلَّ وَعَلَا: )فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ([النور:63]، وَعُقُوبَةُ الرِّبَا مُتَحَقِّقَةٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاقِعَةٌ عَلَى الْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ، فَالْمُرَابِي مُحَارِبٌ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، قَالَ تَعَالَى: )يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ([البقرة:278-279]، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (أَيْ: اسْتَيْقِنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ)، فَهَذَا تَهْدِيدٌ شَدِيدٌ، وَوَعِيدٌ أَكِيدٌ، لِمَنِ اسْتَمَرَّ عَلَى تَعَاطِي الرِّبَا بَعْدَ الْإِنْذَارِ.
وَالْمُرَابِي مَفْضُوحٌ، وَمُعَاقَبٌ عَلَى سُوءِ عَمَلِهِ فِي الْبَرْزَخِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَالْمُرَابُونَ لَا يَقُومُونَ مِنْ قُبُورِهِمْ إلَى مَبْعَثِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَّا كَالْمَجَانِينِ: )الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ( [البقرة:275]، وَهُمْ مُعَذَّبُونَ فِي قُبُورِهِمْ فِي الْبَرْزَخِ لِجُرْمِ مَا فَعَلُوهُ مِنَ الْمُخَالَفَةِ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي، فَأَخْرَجَانِي إِلَى أَرْضٍ مُقَدَّسَةٍ، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ مِنْ دَمٍ، فِيهِ رَجُلٌ قَائِمٌ، وَعَلَى وَسَطِ النَّهَرِ رَجُلٌ، بَيْنَ يَدَيْهِ حِجَارَةٌ، فَأَقْبَلَ الرَّجُلُ الَّذِي فِي النَّهَرِ، فَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَخْرُجَ رَمَى الرَّجُلُ بِحَجَرٍ فِي فِيهِ، فَرَدَّهُ حَيْثُ كَانَ، فَجَعَلَ كُلَّمَا جَاءَ لِيَخْرُجَ رَمَى فِي فِيهِ بِحَجَرٍ، فَيَرْجِعُ كَمَا كَانَ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ فَقَالَ: الَّذِي رَأَيْتَهُ فِي النَّهَرِ آكِلُ الرِّبَا» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ].
مَعَاشِرَ المُسْلِمِينَ:
إنَّ التَّعَاوُنَ عَلَى الرِّبَا سَبَبٌ لِلَعْنِ اللَّهِ وَغَضَبِهِ وَالطَّرْدِ مِنْ رَحْمَتِهِ، فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: (لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ) [رَوَاهُ مُسْلِمٌ]. وَإِذَا ظَهَرَ الرِّبَا وَانْتَشَرَ وَغَلَبَ فِي تَعَامُلِ النَّاسِ كَانَ سَبَبًا فِي الْهَلَاكِ وَنُزُولِ مَقْتِ اللَّهِ وَعِقَابِهِ؛ فَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا ظَهَرَ فِي قَوْمٍ الرِّبَا وَالزِّنَا، إِلَّا أَحَلُّوا بِأَنْفُسِهِمْ عِقَابَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ» [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانِيُّ].
بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إلَهَ إلَّا اللَّهُ تعظيماً لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إلَى رِضْوَانِهِ، فَصَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللَّهَ -عِبَادَ اللَّهِ- حَقَّ التَّقْوَى، وَاعْلَمُوا أَنَّهُ مَنِ اتَّقَى اللَّهَ وَقَاهُ، وَمَنْ لَاذَ بِهِ حَفِظَهُ وَحَمَاهُ.
مَعَاشِرَ المُسْلِمِينَ:
الْوَاجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَتَحَرَّى الْحَلَالَ فِي مُعَامَلَاتِهِ الْمَالِيَّةِ وَفِي كَسْبِهِ وَتِجَارَتِهِ، فَيَبْتَعِدَ عَنِ الْبُيُوعِ الْمُحَرَّمَةِ وَالْحِيَلِ الْمُوَصِّلَةِ لِلْحَرَام،ِ وَيَتَّقِيَ الشُّبُهَاتِ وَيَسْتَبْرِئَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ في الشُّبُهاتِ وَقَعَ في الحَرَامِ» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ]، فَأَكْلُ الْحَرَامِ سَبَبٌ لِدُخُولِ النَّارِ، فَلِهَذَا وَجَبَ عَلَى الْمُسْلِمِ التَّحَرُّزُ مِنَ الْمَالِ الْحَرَامِ، فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكَعْبِ بِنِ عُجْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: «إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ، النَّارُ أَوْلَى بِهِ» [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانِيُّ] .
فَالْمُسْلِمُ مُكَلَّفٌ وَمَسْؤُولٌ عَنْ كُلِّ مُعَامَلَةٍ يَتَعَامَلُ بِهَا، فَيَتَفَقَّهُ فِي دِينِهِ، وَيَتَعَلَّمُ أَحْكَامَ الْبَيْعِ وَالتِّجَارَةِ، وَيَسْأَلُ أَهْلَ الْعِلْمِ بِذَلِكَ، لِئَلَّا يَقَعَ فِي الْحَرَامِ وَأَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ، لَا يُبَالِي الْمَرْءُ مَا أَخَذَ مِنْهُ، أَمِنَ الْحَلَالِ أَمْ مِنَ الحَرَامِ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ].
يَا عَبْدَ اللهِ:
يَامَنْ تَعَامَلْتَ بِالرِّبَا وَابْتُلِيتَ بِهَذِهِ الْكَبِيرَةِ وَالْمُخَالَفَةِ لِأَمْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، بَادِرْ بِالتَّوْبَةِ وَالرُّجُوعِ إلَى اللَّهِ قَبْلَ فَوَاتِ الْأَوَانِ، وَتَدَارَكْ نَفْسَكَ بِالتَّخَلِّي عَنِ الظُّلْمِ، فَاَللَّهُ عَفُوٌّ غَفُورٌ يَصْفَحُ عَنِ الذَّنْبِ وَيَتَجَاوَزُ عَنِ الزَّلَلِ، فَلَا تُصِرَّ عَلَى الذَّنْبِ وَالْخَطِيئَةِ، وَأَقْبِلْ عَلَى خَالِقِكَ وَمَوْلَاكَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: )وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ([البقرة:279]، فَالتَّوْبَةُ مِنَ الرِّبَا تَكُونُ بِالْإِقْلَاعِ عَنِ التَّعَامُلِ بِهِ، وَالتَّخَلُّصِ مِنَ الْكَسْبِ الْمُحَرَّمِ النَّاتِجِ عَنِ الرِّبَا، فَلَا تَظْلِمُوا بِأَخْذِ الزِّيَادَة فِي القُرُوضِ، بَلْ لَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نَقْصٍ.
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَلْهِمْنَا شُكْرَ نِعْمَتِكَ، وَدَوَامَ عَافِيَتِكَ، وَجَنِّبْنَا فُجَاءَةَ نِقْمَتِكَ وَجَمِيعَ سَخَطِكَ، وَبَارِكِ اللَّهُمَّ لَنَا فِي أَوْقَاتِنَا وَأَمْوَالِنَا، وَأَوْلَادِنَا وَأَزْوَاجِنَا، وَاغْفِرِ اللَّهُمَّ لَنَا وَلِوَالِدِينَا وَلِلْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ أَمِيرَنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِهُدَاكَ، وَاجْعَلْ عَمَلَهُمَا فِي رِضَاكَ، وَأَلْبِسْهُمَا ثَوْبَ الصِّحَّةِ وَالْعَافِيَةِ وَالْإِيمَانِ، يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا سَخَاءً رَخَاءً وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة